خاطرة تربوية تشييخ الحدث……. إلا المَشيَخة أعيتْ من يداويها
نشرت بواسطة: ahmed
في اسلاميات
يطلقالحَدَث في اللغة على صغير السِّنِّ,ويطلق على النجاسة الحكمية التي ترتفع بالوضوء أَو الغُسْل أو التيمُّم,وفي الحديث : لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ. قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. البخاري.
ويطلق الحدث على الأَمر الحادث المنكر غير المعتاد.يقول الشاعر:
ألا فاصبرْ على الحدَثِ الجليلِ … وداوِ جَوَكَ بالصَّبْر الجميلِ.
والحدث الذي نقصده في كلامنا بالمعنى الاول أي صغير السن…لما نراه ونسمعه من تلقيب مَن لا يَليق برتبة المشيخة ,ووضعِ الأشياء في غير موضعها الصحيح,فقد تَمشيخ الحَدث والتفّ حولهُ بعض مما صَغُرَ سِنُّهُ وضَمُرَ عَقلهُ ,فأصبح الأمر كما قال الأديب المجاهد مُصطفى السباعي في كتابه ( هكذا علمتني الحياة ) : الأعرج بين المُقعَدين فرسٌ لا يُشَق له غُبار ……و بعض الناس عُظماء ؛ لأن المحيطين بهم صغاراً….
وتمشيخ الحدث يفتحِ مَداخِلِ الشيطان فيصاب بأمراض لا تحصى ولا تعد من عُجب وغرور واكتفاء بالنفس وتكبُّر ….
و ينعكس الأمرُ سلبًا على سلوكه النفسيِّ والتربويِّ؛ فيؤدِّي إلى التشنيع على الآخرين والتنقُّص منهم.
أذكر سنة 1976 وكنت يومها طالبا نهاية المرحلة الثانوية …وحاولت مع ثلة من أقراني القيام بنشاط في المسجد ,..دفعنا طيش الشباب وفرط الحماسة للتنقص من الإمام وجماعة المصلين….فأخذ بيدي عمي وكان فقيها حكيما مجربا مؤذنا في ذات المسجد….وكان يعطف علي ويتولاني بالرعاية والتربية والتوجيه قال:يا لخضر رويدك فإن التدين صعب …وما لم تروض نفسك وتتفقه فلن يغنيك شعرات تنبت في ذقنك ولا مظاهر تتميز بها عن غيرك…..وقال:إن عمدة الدين إخلاص وأدب….فإن نزعا من احد فلا خير فيه لنفسه,ولا ثمرة ترجى من دعوته.
مرت أيامي سريعة …وكلما توسعت معارفي …وتعمقت تقافتي كلما أدركت النصيحة الغالية والتوجيه الرائع.
قرأت للإمام الشافعي رحمه الله تعالى قوله: مَن طَلَبَ الرئاسةَ فرَّتْ منه، وإذا تَصَدَّرَ الحَدَثُ فاتَهُ علمٌ كثيرٌ.صفوة الصفوة …ومعنى كلامه :إدا صار الحدث صدراً لم يسهل عليه الجلوس للعلماء لطلب العلم.
وبوب البخاري في كتاب العلم باب الاغتباط في العلم؛ وعلق فيه وَقَالَ عُمَرُ: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا…
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (هو البخاري صاحب الصحيح): «وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ.
وفسره ابن قتيبة في كتابه غريب الحديث فقال : معناه تفقهوا وأنتم صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الانفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالا.
وفي تعليقٍ لابن قتيبة رحمه الله:لا يَزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العِلْمَ عن أكابرهم وأُمَنائهم وعلمائهم.نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي .
واليوم ترى حدثا أقطع أنه لا يعرف مبطلات الصلاة,ولا يحصي لها عدا….يتنطع ويتمشيخ ويتهم وينتقص غيره….يسميهم أشباه علماء وأشباه دعاة….وما درى المسكين كم فاته من خير. وكم حرم مِن مِنن رَبانية أن جعل الله له عينا بصيرة ناقدة ، تَرى الخَطأ في الغير فتَحمد الله أن لم تقع فيه وتتحرّز فتتجنّب الوقوع فيه وتسأل الله العافية دون الوقوع في شماتة …قيل لابن المقفع : ” من أدّبك ؟ “قال: ” نفسي ؛ إذا رأيت من غيري حسنًا أتيته ، وإن رأيت قبيحًا أبيتهُ ! ”
وقال بعض المعاصرين :لا نريد أنصاف أطباء ، ولا أنصاف سياسيين ، ولا أنصاف علماء .. أنصاف الأطباء يضرون بالأبدان ، وأنصاف السياسيين يضرون بالبلدان ، وأنصاف العلماء يضرون بالأديان .. ، وحين يكون المُتَصدِّر بـ ” نِصف عُمر ” و ” نِصف علم ” و ” نِصف وعي ” ، فإن المُخرّج سيكون ظاهرة معروفة عند المُربين بـ ” تمشيخ الحَدث ” ، ورؤية أحد هؤلاء يبعث على الشفقة ؛ إذ أنهُ يعيش في عالمٍ مِن النَرجسيّة لا يُدرك أنها تستصحب معها نُفران الناس من حوله ، وابتسامة ساخرة على قلوب المحيطين به على كثير مما يفعله .ورحم الله من قال: إلا المَشيَخة أعيتْ من يداويها . على وزن :إلا الحماقة أعيت من يداويها.
مرتبط
2023-06-26