الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة 8 شخصيات من بلادي 8 الشيخ أحمد القاسمي ..النور في مواجهة العتمات ..:

الشيخ أحمد القاسمي ..النور في مواجهة العتمات ..:

ستتذكر مدينة بوسعادة الشيخ أحمد القاسمي رحمه الله غدا في ملتقى يعقد بمعهد الفندقة و بحضور شيوخ أجلاء ..
.
وللذكرى ، اليكم ما كتبته عنه أياما قليلة بعد وفاته …تغمده المولى بواسع رحمته و مغفرته . امين .
.

أن تبكيك مدينة بأكملها، بأهلها و ضواحيها، بقراها و بواديها، فهذا ليس بالأمر الهين ولا اليسير، ولا يدركه حق الادراك إلا أولئك البالغون في فهم الأثر، وفهم معنى التأثير في البشر ..

و أن ترثيك المنابر و القصائد، و يفتقدك من ألمت بهم الشدائد، فئلك الفوز، وأي فوز؟ ..
عرفت الشيخ أحمد القاسمي في أول الشباب، حين كنت تلميذا حريصا على حضور الحلقات الصغيرة في مسجد بلحطاب القديم ، حلقات كان يقدمها نخبة من الشباب المتحمسون المنخرطون في توجه عام نحو صحوة إسلامية ..

كان شابا كبقية شباب المدينة الملتزمين، بلحية خفيفة، ليس بيننا فارق عمر كبير، كان إلى جانب دعاة آخرين يقدمون ما عرف آنذاك بحلقة العصر ، الدرس الذي يقدم كل يوم جمعة بعد صلاة العصر، ويمتد حتى صلاة المغرب، يقدم في كل مرة في مسجد من مساجد المدينة ( القيسة، الحي الشمالي ، اسطيح …الخ ) ..

يقف هادئا ، واثقا من نفسه، متمكنا من المحتوى الذي يقدمه، وأمامه قد اصطفت جموع المصلين، الخاشعين المنتبهين لما يقول، كانت المصلون ومن كثرتهم ، يفترشون الحصران خارج المساجد ..

أعتبر نفسي مدينا لتلك الدروس و تلك الحلقات، فمنها تعلمت الكثير من أمور ديني ودنياي، ومنها تغذيت روحيا ، واحببت لغتي الفصيحة أكثر، كيف لا ، وأنا أرى شبابا يصدحون بها من على المنابر ..

حضرت له رحمه الله درسا ألقاه في الحي الشمالي حول موضوع النفاق، وقد بدا لي ما قاله مختلفا عما سمعته من الشيخ عبد الحميد الكشك رحمه الله، و بذهنية شاب يافع ، تركت حتى انقضت الصلاة ، و استوقفته ونحن منصرفون، و استفسرت منه عن سبب ذلك الاختلاف ..

كان رحمه الله الى جانب الشيوخ الشباب ( لخضر لقدي، يوسف بن المهدي، عبد القادر حشادي …) وغيرهم ممن لا أتذكر مصابيح المدينة ، كانوا أنوارها التي يهتدي بها الناس، وكان الأطفال و الشباب و الشيوخ يحجون أفواجا أفواجا إلى المساجد ، خاصة مسجد (الصفصاف) الذي كانت تقام فيه الجمعة الكبرى، يقصده الناس من كل حدب وصوب، راكبين وعلى الأقدام ، كما لو أنهم يقصدون حجا ..

وقتها لم تكن هناك سياسة .. ولا أحزاب .. كانت الدعوة خالصة لله تعالى .. وكان العمل الاجتماعي للإخوة قويا، فقد كنا الكثير من الشباب الضال و المهزوم يتوب إلى الله و يلتزم المساجد ، وكان الاخوة يسعون لتوفير مصدر عيش يقيه الوقوع في الحرام ومعاشرة رفاق السوء ..

وكان الشيخ أحمد واحدا من صناع ذلك المشهد الإيماني الرائع و العميق …
غادرت بوسعادة لسنوات طويلة، وعندما التحقت بالعمل في المسيلة قادما من بسكرة، عرفت أن الشيخ أحمد قد أسس جمعية للتكفل بالأرامل و اليتامى ، ولعله الاختيار الأصوب و الأقرب إلى جوهر ديننا الإسلامي الذي أولى للجانب الاجتماعي أهمية قصوى، و حض على الصدقات و التضامن و عمل الخير بصفة عامة .
.
لم ألتق الشيخ أحمد الا قليلا ، لكني بقيت دائما أحمل له ذلك الود والاحترام والتقدير، وقد آلمني أن يتعرض الى الأذى من مجهولين لا اعرف ما هدفهم وما غايتهم من ذلك ، كيف لرجل نذر حياته لله أن يتعرض للسوء ، وهو الذي فيما أعلم لم يؤذ أحدا ، ولا أخاله يفعل ذلك وهو التقي النقي ..

في محنة مرضه، رأيت كيف يتضرع الناس لله سائلين الشفاء لشيخهم و ملهمهم , رأيت كيف تبكي العيون و تدمع القلوب وهي تناجي الرحمن الرحيم، لكن قدر الله أسبق ، والموت حق ..ولا تأجيل للأجل ..

وبفقده، فقدت المدينة واحدا من أهل العلم والخير فيها، ولعل الله يسخر من أهلها من يحمل المشعل من بعده، و يكمل المسيرة والسيرة والسنة الحسنة ..
تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته …آآآمين .


.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*