الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة 8 سياحة ومعالم 8 المعلم التاريخي فندق الصحراء ببوسعادة نموذج للعمارة الاسلامية

المعلم التاريخي فندق الصحراء ببوسعادة نموذج للعمارة الاسلامية

عين الإهمال تطال فندق الصحراء ببوسعادة طرازه مستمد من الحضارة الاسلامية

تزخر بوابة الصحراء بوسعادة بالعديد من المعالم التاريخية والهياكل القديمة، التي شيدت عبر مختلف مراحل تطور المدينة منذ نشأتها على ضفاف وادي بوسعادة العريق وواحتها الشاسعة الشامخة، وصاحب مرور السنين والقرون تغيير في النمط العمراني من زمن الخيم إلى بيوت الطين وصولا إلى الحارات ثم العمارة الإسلامية العثمانية والأندلسية قبل أن تعرف الفترة الاستعمارية طابعا معماريا مغايرا، لتستقر بعد الاستقلال على نمط عرف انتشارا واسعا في الجزائر والمعمورة ككل.

وعرفت مدينة بوسعادة منذ القديم كوجهة ترفيهية سياحية، بالنظر لتنوع الغطاء النباتي وموزاييك تضاريسها، وفصاحة وترحاب أهلها جلبت إليها ملايين السياح ومنتجي الأفلام السينمائية المتنوعة، حيث توسعت مع مرور الوقت مختلف الإمكانيات المادية والبشرية للسياحة وإنتاج الأفلام كالفنادق ومناطق التصوير … وعلى ذكر الفنادق فقد عرفت مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 تشييد عدة فنادق من بينها فندق الواحة والصحراء الصغير”فندق كردادة اليوم” والصحراء هذا الأخير تم بناءه حسب المؤرخين ما بين سنتي 1905 و 1908، وبني هذا الفندق من الناحية المعمارية بالطراز “المورسيكي الجديد” وهو طراز معماري إحيائي تبناه العديد من المعماريين الأوربيين والأمريكيين بعد تأثرهم بفن الاستشراق الرومنسي، ووصل هذا الطراز إلى قمة شعبيته في منتصف القرن التاسع عشر، حيث يُعتبر جزء من استعارة مفردات الزخارف والتفاصيل المستمدة من العمارة الإسلامية، وخصوصًا من المغرب العربي والأندلس، بالإضافة إلى المصادر التاريخية التي تعود إلى حقبة ما بعد الكلاسيكية والقوطية.

وأوضح الدكتور سعيد تريعة مختص في علم الآثار بأن المهندسين والكتاب الفرنسيين الذين عاصروا أو جاءوا بعد الإعلان الرسمي لهذا الطراز عام 1900 بسنوات، في التفنّن للتعريف بهذا المولود الجديد في عالم العمارة الاستعمارية، والذي أنتجته القرارات الحكومية الاستعمارية الفرنسية، فمن الأوائل الذين عاصروا الإعلان الرسمي وكانوا من السبّاقين في طرح تساؤلاتهم حول مشكل الإلهام لهذه النهضة الجديدة هو المهندس الابن “جاك قيوشان” Jacques Guiauchain” ويظهر ذلك في كتابه “الجزائر” لعام 1900، يقدم فيه تعريفين الأول يتضمن دعوته بعبارة “نطالب بالجديد” والتعريف الثاني يتضمن قوله : “نشعر جميعا أنه يجب أن يكون في الجزائر أشكالا معمارية لطراز خاص”، ويأتي الكاتب “ريكارد” “Ricard” بعده ليُبَسِّط مفهوم الطراز في كتابه “حتى نفهم الفن الإسلامي في أفريقيا الشمالية وإسبانيا” بقوله : “في بناياتنا الجديدة، نبحث عن تسوية أو تراض موّفق بين التقاليد المحلية والحاجات الأوروبية”.

وطبق الطراز المورسيكي الجديد في فندقي الصحراء والواحات في بوسعادة، ويبدوا ذلك جليا من خلال الساحة التي تتوسطها نافورة من خلال الأقواس والأعمدة المحيطة بالساحة والزخارف المستمدة من الحضارة الإسلامية وتقاليد البناء في المغرب العربي والأندلس، وتوزع الغرف حول الساحة ونظام الضوء والتهوية إلا أنه يكسر تقاليد العمارة المحلية ويعطيها الطابع الأوروبي من خلال النوافذ والتي تكون صغيرة لدى السكان المحلين ولا تسمح برؤية ما يوجد داخل الغرف ( احترام حرمة المسكن ) بينما يفضلها الأوروبيون أكبر وتسمح برؤية كل ما في الداخل.

المهندس الابن “جاك قيوشان” “Jacques Guiauchain” مثاله الشهير الذي يفسر مفهوم هذا الطراز بقوله: “نأخذ مثال النافذة، فهي عنصر جد هام يفرض خصوصيته في المبنى، بالنسبة للمور فهم يريدوها صغيرة ونادرة، حتى يتسنى للشخص أن يأخذ مكانهُ فيها …أما نحن فنريدها كبيرة وكثيرة، حتى نترك الهواء والضوء يدخلان بصورة واسعة، كما نريد أن نجعلها تمنع دخول الحرارة … نافذتنا في الجزائر هي الإطار الواسع للوحة المنظر الشامل”، أي بمعنى أصح، أن المهندس الفرنسي حسب تعبير قيوشان الابن المُكَلَّف من طرف الحكومة الاستعمارية آنذاك بتطبيق خصوصية هذا الطراز، يأخذ عنصرا معماريا ذا أبعاد روحية إسلامية (حُرْمَة النافذة مثلا) المرتبطة بالغيرة الشرقية على الحريم والحياة الخاصة، فيحافظ على خصائصه الشكلية كالتسييج القضيبي، البلاطات الخزفية والسقف القرميدي مع الزخرفة الهلالية ثم يضع هذا العنصر في المبنى ذا الأبعاد الأوروبية العصرية، فَيُدْخِل عليه بعض التعديلات التي ذكرها المهندس “قبوشان” “Guiauchain” تُشَوِّه بُعْدَهُ العقائدي والبيئي وتُلبي الحاجة الأوربية العصرية حسب تعريف “ريكار” “Ricard” سابقا فتعطينا النتيجة “نافذة نيومورسيكية” أي فضاء المرأة الأوربية نحو الخارج عبر الشكل المُحرّف لروح البُعْد المعماري المحلي.

و شهد فندق الصحراء تصوير العديد من الأفلام القديمة نذكر منها فيلم Maman colibri سنة 1929 ويقع في موقع استراتيجي وسط مدينة بوسعادة ويتشكل من 40 غرفة وأجنحة خاصة بالإضافة الى مطعم وكافتيريا وقاعة للحفلات والندوات، كما يحتوى على قبة تدل عليه من بعيد، وحديقة واسعة تم تحويلها من قبل الاستعمار الفرنسي الى سجن وبقيت على هذه الحالة الى اليوم، وبعد استقلال الجزائر قامت بلدية بوسعادة بتأجيره للخواص إلى غاية سنة 1974 أين تم تحويله للشركة الوطنية للحبوب كمستودع للتخزين ونقطة بيع ما أثر بصفة مباشرة على وضعية الفندق وهياكله ومستلزماته، وبعد توقف نشاط شركة الحبوب مطلع الألفية تعرض لجميع أشكال الإهمال والنسيان حيث تهاوت بعض النقوش المعمارية وتغيرت بعض التصاميم الهندسية وسقوط بعض الجدران وتراكم الأوساخ والأتربة وغيرها من أشكال التخريب والتهميش، وما زاد الطين بلة هو مطالبة أحد العائلات باسترجاع الفندق من البلدية وهو ما أخذ أشواطا طويلة في المحاكم خلصت في الأخير بملكية هذا الصرح لبلدية بوسعادة حيث قال في هذا الخصوص رئيس المجلس الشعبي البلدي الحالي أنور حفيظي “بعد انتهاء النزاع القضائي بين البلدية واحدى العائلات التي كانت تطالب بأحقيتها في تملك هاته المنشأة المصنفة ورجوعه الى ممتلكات البلدية، وبعد المعاينة طلبنا اجراء تقرير تقني من ctc لمعرفة الوضع القاعدي للنزل وفور استلامنا ايجابية التقرير سنشرع في الأيام القادمة في ايجار فندق الصحراء بطريقة الامتياز لفترة طويلة لأي مستثمر، مع تحمله كافة التكاليف شرط عدم المساس بالشكل والطبيعة(فندق) لأنه من البنايات والهياكل الخاضعة لقوانين تصنيف المنشئات ذات الطابع السياحي والثقافي”.

وسبق وأن زار وزير السياحة الأسبق الفندق سنة2016 وصرح أن الأشغال لابد وأن تأخذ في الحسبان الجوانب التاريخية والإسلامية والهوية وطابع المنطقة المعماري أثناء عمليات الترميم والتجهيزات، التي ألح على أن تتماشى وخصوصيات المنطقة وهذا لن يكون إلا باختيار الشركات والمؤسسات الناجحة التي خدمت الجودة والنوعية، وألح على ضرورة إجراء عملية خبرة مستعجلة من قبل مركز الرقابة التقنية للبناء، و من خلال وضع دفتر شروط يسمح بمنح الفندق للمستثمرين الخواص في إطار الامتياز، و هو نفس القرار الذي اتخذه بخصوص فندق الواحات.

وفي اتصالنا مع الأستاذ السعيد حبيشي “مهتم بتراث بوسعادة” أكد على أن هذا الفندق نموذج يؤرخ لمعلم تاريخي له مميزاته ويقدم صورة عن العمارة التاريخية وله من المؤهلات ما يجعله يستقطب السياح من كل بقاع العالم وخاصة الأوروبيين، كما أن المناظر الطبيعية وموقع بناء الفندق يجعله سياحي بامتياز و يمكن ترميمه وإعادته كفندق بعد إجراء الدراسات أو جعله محطة سياحية تضاف إلى المحطات المتواجدة ببوسعادة.

والحقيقة أن البعد الاستراتيجي في تثمين المكتسبات التاريخية والتراثية من شأنها أن تعيد بريق السياحة والاستثمار لمدينة بوسعادة، حيث بات من الضروري تفعيل مخطط سياحي يجمع كافة الفاعلين والشركاء في القطاع من مؤسسات عمومية وخواص.

ياسين مبروكي العمارة الاسلامية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*