حرداقة …شخصية مزجت بين الدروشة و التصوف والعقل و الجنون ..
نشرت بواسطة: ahmed
في شخصيات من بلادي
صغيرا كنت ، وكانت والدتي مثل أمهات بقية الأطفال ، تخيفني دائما بحرداقة ، كانت تقول (اذا ما اخذيتش رايي انحرش عليك حرداقة وكال الدواب) ..
وكنت أخاله وحشا أو غولا بإمكانه أن يلتهم حمارا بأكمله ..
وكبرت…
كبرت لأكتشف أن حرداقة هو مجرد إنسان ، بل أكثر من إنسان و أكثر من رمز ..
مزيج من الدروشة و التصوف والعقل و الجنون ..
كان يسكن (الغيران السبعات) ، يحكى انه كان يبيت كل ليلة في غار ، بحسب أيام الأسبوع ..لا يبيت في غار واحد ليلتين متتاليتين …
نهارا ينزل إلى المدينة ، يتجول في شوارعها ، يرسم ورقة الخمس دنانير القديمة على الورق ، يوزعها على رواد المقاهي طالبا منه أن يعطوه بدلا منها ورقة خمسة دنانير حقيقية ، ثم يذكرهم أنهم عند الله سيجدونها خمسة آلاف .. كانت تلك طريقته في كسب رزقه ..
كان يذهب كل شهر إلى البريد ، و دون أن يستظهر آية وثيقة ، يتلقى منهم مبلغا قيل أنه يأتيه من وراء البحار ..
كان عمي حرداقة على عكس ما كنا نتخيله ، يحب الأطفال ، كنا نجري وراءه و نهتف : (حرداقة وكال الدواب …حرداقة وكال الدواب)..كان حين يضيق بنا ، يحمل حجرا ، ثم يلتف إلينا قائلا :
(اتروحو ولا نضربكم بحبة تفاح أو بنان) …
كان يعرف أننا نحب تلك الأشياء ..
ولم يحدث أن رمى طفلا بحجر …
وعندما وجد الأطفال يبحثون عن سمك الشبوط في الوادي ، قال لهم :
– الحوت راه راح يخدم ، ارجعوا على 12.00 تلقاوه …
كان بذلك يعبر عن أحلامه وعن هواجسه بالعمل والبيت والزوجة …
قيل لنا أنه رحمه الله شارك في الحرب العالمية الثانية ، وانه اختلّ عقليا تحت تأثير ما رآه وعاشه فيها …
كان طيلة العام يلبس نفس الطابلية و الشاشية ، صيفا و شتاء لا يبدلهما أبدا …
اما حكاية ( وكّال الدواب ) فقد حدث أن مرض و عجز أن ينزل إلى المدينة لطلب رزقه ، و عندما اشتدّ به الجوع ، رأى جثة حمار بالقرب من الغيران السبعة ، فتقدم منها يحركها بقطعة خشب ..رأوه، و أشاعوا أنه أكل من لحم الداب ..
و بسبب ذلك أصبح يلقب بوكّال الدواب …
لم يحدث أن تخاصم خصاما شديدا مع احد ، أو تعرض لامرأة بأذى ، كان فقط يبتسم أو يضحكُ ضحكا خفيفا ، ثم يبتعد بهدوء دون ضجة أو مشاكسة …
مات عمي حرداقة سنة 1976 ، حين هطلت الامطار بشدة ، و جرفته مياه الوادي ..
بكته المدينة ، بكاه الناس ، لم يعد لديهم من يستأنسون به و يضاحكونه ..وقيل أن وادي بوسعادة قد أعلن الحداد، وتخلى عن كل زينته حزنا عليه …
عمي حرداقة ..
عاش ما اكسب …مات ما خلّى
عاش في الواد …و اداه الــــواد…
بقلم الصحفي والكاتب .. عبد الكريم قذيفة
مرتبط
2023-07-01