الرئيسية 8 حقيبة بوسعادة 8 تاريخ وحضارة 8 الحضنة المنطقة الواسعة بأراضيها

الحضنة المنطقة الواسعة بأراضيها

الحضنة مصطلح جغرافي يشمل منطقة واسعة تتوزع أراضيها إداريا على ولايتين متجاورتين وهما المسيلة وباتنة، تضم العديد من المدن مثل المسيلة وبوسعادة وسيدي عيسى وونوغة وأولاد دراج والمعاضيد ومقرة وبريكة وسقانة ونقاوس وبومقر وعزيل عبد القادر، تمتد من جبل عياض شمالا الى جبل سلات جنوبا ومن جبل متليلي بسقانة شرقا الى بوطي السايح غربا ،تتوسطهما سبخة مالحة بطول 70كلم وعرض 25 كلم تعرف بشط الحضنة Chott El Hodna.
تسمية الحضنة لغة مشتقة من الفعل حضن الشيء أي ضمه وشد عليه أما اصطلاحا، كل مكان محضون بين جبلين يسمى الحضنة وقد أشار الأديب مختار موسى الأحمدي الى وجود عشرة مواقع في المشرق العربي تحمل تسمية الحضنة في حين تعددت الروايات في تفسير التسمية بتعدد الزوايا المنظور منها:
الزاوية الجغرافية تنطلق من وقوع الحضنة بين حاضنتين أو سلسلتين جبليتين كبيرتين هما الأطلس التلي شمالا والأطلس الصحراوي حنوبا
الزاوية الاجتماعية تنطلق من فكرة احتضانها البربر من القبائل الصنهاجية والزناتية وعرب التغريبة من القبائل الهلالية والسليمية التي خربت المكان والعمران وعربت اللسان والانسان.
الزواية التاريخية تستند على التقسيم الثوري اذ يلاحظ أن الحضنة شكلت تقاطع أربع ولايات تاريخية وهي الأولى(أوراس-النمامشة) والثالثة(القبائل) والرابعة (الجزائر وضواحيها) والسادسة(الصحراء).
لكن تبقى الزاوية الجغرافية هي الأدق والأنسب في تفسير تسمية الحضنة التي أضفت الطابع العربي على المكان مقارنة بتسمية المسيلة التي تضاربت حولها التفسيرات بين البعد البربري “تامسيلت” التي تعني الأرض المسطحة والبعد العربي”مسيلة” التي تعني الماء يسيل وإذا أضفنا لها بعدا شيعيا عقائديا صارت تسمى المحمدية وهي واحدة من المدن التي أنشأتها امارة بني حمدون على ضفاف وادي سهر (مقبرة الأشياخ حاليا).
يتركب سكان الحضنة من عرب بني هلال وعرب الأندلس والعرب الأشراف وفئة من أبناء جنود الإنكشارية الذين أقاموا لهم ثكنة بالقرية الأثرية بشيلقة عندما كانت خالية من السكان تعرف بالكراغلة كما سكنها اليهود والأوروبيون خلال المرحلة الاستعمارية:
يتوزع عرب بني هلال بين أولاد دراج وأولاد سحنون وأولاد ماضي وأولاد جلال والسلامات والهجارس ويعرفون بأصحاب البيت أوالخيمة الكحلة لأنها مصنوعة من شعر الماعز دون إضافات أو ملونات في حين أولاد نايل جنوب الولاية يتخذون البيت أو الخيمة الحمراء مسكنا لهم وهي كذلك مصنوعة من شعر الماعز لكنها ملونة بمادة نباتية تجلب من الغابة.
أما العرب الأشراف يتوزعون على أولاد سيدي حملة (الحمالات بكسر الحاء) وأولاد سيدي نايل الخرشوفي وهم أقلية مقارنة بالنوايل الهلاليين وأولاد سيدي عثمان (العثامين بجر العين) وأولاد سيدي أحمد(السحامدة) وأولاد سيدي عيسى ونسل يلمان الادريسي وأولاد سيدي بوجملين من نسل ابنه شرف الدين (أولاد بن الشارف) على رواية البعض والبعض الأخر أنه كان ربيبه من زوجته عائشة رفقة شقيقه القاضي (جد القواضي) الى جانب القدادشة من أولاد بن حميدوش.
أما عرب الأندلس أو المورسيكيون يتوزعون على عوائل سكنت الضفة الغربية لوادي سهر (القصب حاليا) بالحي العتيق-العرقوب-بينما أقام الكراغلة في حي رأس الحارة حيث يعاد بناء زاوية سيدي بوحملين حاليا والكوش والجعافرة وأولاد سيدي محمود بوفالة التركي. بينما سكنت الأقلية الأوروبية من المعمرين الفرنسيين والايطاليين الحي الجديد المعروف حاليا ب”الظهرة” الذي صار معيارا للتمييز بين الحضر (سكان المدينة) والبدو (سكان القرى والمشاتي بالحضنة الشرقية وتحديدا أولاد دراج بدء من المطارفة وصولا الى أولاد سحنون) الذين أطلقت عليهم تسمية “جماعة القبلة”” بينما سكن اليهود بخربة ايليس أو تليس وأزقة حي العرقوب وتجنسوا بالجنسية الفرنسية بعد صدور قانون وزير العدل الفرنسي ذي الأصول اليهودية أدولف كروميو 24 أكتوبر 1870م.

حسب ما جاء في حديث مع أستاذ التاريخ الدكتور حميدي بوبكر تعتبر بيئة الحضنة ولادة للرموز والشخصيات لكنها للأسف الشديد طاردة للاطارات والكفاءات، فهي تحتضن الوافد والغريب وتكره القريب والحبيب وربما تفسير الظاهرة المرضية الى دراسة بسيكو-تاريخية أوأخرى سوسيو-اقتصادية، سنضرب أمثلة على سبيل التأكيد لا على سبيل الحصر:
– الناصر بن علناس الذي هجر قلعة بني حماد وأسس له مدينة الناصرية(بجاية) على ساحل البحر الأبيض المتوسط
– أحمد بن يحي المقري الذي ولد بمقرة(من بلدات أولاد دراج) وعاش وأبدع ومات بحاضرة تلمسان
– بن الرشيق صاحب كتاب العمدة الذي ولد بمدينة المسيلة وعاش بالقيروان، وقد ذكر الأولى 04 مرات وذكر الثانية أكثر من 200 مرة حسب قول سمعته من أستاذ الأدب العربي محمد لمين.
– محمد بوضياف الذي غادر الحضنة ناحية الشرق الجزائري(البرج-جيجل-قسنطينة) بعد احتضانها أفكار فرحات عباس الاندماجية وغياب الأفكار التحررية التي نادى بها أصار مصالي الحاج قبيل الردة عام 1954م، وقد عجز الرجل عن تكوين خلية ثورية واحدة بالمسيلة شاركت في تفجيرات الفاتح نوفمبر 1954م من أثارها تأخر الثورة المسلحة بمنطقة الحضنة الى غاية عام 1956م بل كان يعتقد سكانها بالخرافة الفرنسية أن الفلاقة عبارة عن وحوش تقطع الرؤوس وتشرب الدماء والأدهى أنه سمع كلاما من أحد القياد الموالين لفرنسا عندما خاطبه قائلا:((مهبول مثلك يستطيع اخراج الجزائر من فرنسا))، والخلية الوحيدة التي نجح في تكوينها ببريكة فشلت في تفجير الثورة ليلة الفاتح نوفمبر 1954م وألقي القبض على كل عناصرها.
– العلامة موسى الأحمدي نويوات الذي أنتقل من قرية الطبوشة (أولاد عدي لقبالة) الى مدينة برج بوعريريج لادارة مدرسة التهذيب والانخراط في العمل الدعوي والتربوي وفضل الدفن بمقبرة سيدي بتقة بالبرج.
– الشاعر عزالدين ميهوبي الذي ولد بعين الخضراء وأبدع بمدينة سطيف ولم يسلم من القيل والقال..
– الشاعر عياش يحياوي صاحبة رواية لقبش الذي ولد بعين الخضراء ومات بالامارات العربية المتحدة.
– الأمثلة كثيرة تدعو الى التأمل ومراجعة الذات وإعادة بناء جسور المحبة والتأخي والتأزر والتكافل بين أبناء الحضنة ونبذ الفرقة والخلافات الهامشية والعصبية المقيتة وكل أنواع التزلف والدونية أمام الأخر…
………..

منشورات ذياب الزغبي الهلالي….

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*