عن تقرير فرنسي تقييمي منجز في شهر أوت 1844م
على خلاف ما هو متداول، فالاحتلال الفرنسي دخل بوسعادة للمرة الأولى بتاريخ 28 أكتوبر 1843م، بقيادة الجنرال سيلاج، وبمساعدة و تسهيل من الشيخ الاغا أحمد المقراني المعين كآغا سنة 1838.
ترك الجنرال سيلاج حامية عسكرية بالمدينة مهمتها تنظيم الحراسة والحفاظ على النظام و أمن المسافرين.
بوسعادة مدينة يبلغ عدد سكانها 4500 نسمة، تقع على حافة التل، تحتوي على حدائق جميلة وجيدة المياه، والحركة التجارية فيها مهمة جدا، وهي تقوم بعمل مهم جدا، فهي سوق شراء وبيع و إيداع دائم(Dépôt )، فهي بوابة الصحراء وتربط تجاريا بين مدن قسنطينة والمدية، وعلاقتها التجارية مع منطقة القبائل نشطة، فهي تشتري معظم الزيوت من هناك، وتنقلها إلى وسط إفريقيا، كما أنها تستقبل المنتجات التونسية أيضا .
يلاحظ التقرير أنه في تلك السنة (1844م) انتقل تجار بوسعادة بأنفسهم إلى الجزائر، حيث اقتنوا كل ما تمكنوا من شرائه ، ولم ينتظروا أن تصلهم حاجاتهم عن طريق الوسطاء .
كما كانت قبائل أولاد نايل مع أهل بوسعادة يتنقلون جنوبا إلى تقرت، حيث يبيعون هناك الإبل والأغنام والصوف والزبدة، ويشترون التمور والأقمشة بأنواعها، والبرانيس وغير ذلك مما يسمّونه الكسوة .
.
ما نستنتجه من التقرير:
ـ بين دخول الفرنسيين للمدينة و التقرير 10 أشهر فقط .
ـ جنود المحتل بمختلف تخصصاتهم، بادروا إلى دراسة المجتمع، و امداد قادتهم بمعلومات اجتماعية/دينية/اقتصادية ..الخ بهدف احكام السيطرة على المدينة وعلى مختلف الاعراش المجاورة لها .
ـ وسنلاحظ أنه بعد 06 سنوات بالضبط يتم احتلال المدينة بالكامل ، وأن مقاومة البطل محمد الشريف بن شبيرة لم تلق إجماعا ، بل إن سكان المدينة انقسموا في موقفهم منها ، بين مساند وحيادي ومعارض للمقاومة .
في دراسة صادرة سنة 1845م، أعدها المدير المركزي للشؤون العربية في الجزائر، أورد معلومات مهمة للغاية عن بوسعادة في تلك الفترة . هنا جزء منها :
تتوزع بوسعادة على الحارات التالية:
-
الموامين
• أولاد حركات
• العشاشة
• حارة الشرفة
• أولاد عتيق
• الزقم
• أولاد حميدة
• العرقوب أين نزل و أقام اليهود ( هكذا يقول التقرير) .
هذه الأحياء الثمانية، تشكل مدينة صغيرة، وهي متقاربة من بعضها ومتصلة من خلال الحدائق والبساتين.
شيخ المدينة في هذه الفترة هو احمد بن عزيز، يساعده خمسة شيوخ محليون، يشكلون معه مجلس المدينة (الجماعة )، يلتقون و يتحاورون و يفصلون في الأمور المهمة
تتوفر المدينة على خمسة مساجد، أجملها في حي العشاشة.
كل حي له مدرسته (الكتاب) حيث يتعلم الأطفال القراءة والكتابة و أساسيات دينهم
المحيط الذي أقيمت فيه المدينة قاحل وصخري، لكن موقع المدينة بحد ذاتها تربته خصبة ومتوفرة على المياه . فهناك ينبوعان وسط المدينة، عين لموامين وعين القصر، وهناك المياه المتدفقة من المقطع العامر.
معظم البساتين مزروعة بالرمان، المشمش، الخوخ ، الكروم ، النخيل ، وأيضا تزرع الخضر مثل البطيخ، الخيار، الثوم، البصل..الخ.
كما نجد بأطراف المدينة مناجم للجبس و أفران للجير.
الملاحظ انه لا توجد مدينة في الجنوب نمت فيها الصناعة كما هي في بوسعادة (تقول الدراسة):
.
هناك 40 مصنع لصناعة الصابون
ـ عشرة محلات للحدادة و صناعة الأسلحة
ـ سروج البنادق المصنوعة في بوسعادة لها سمعة كبيرة
ـ هناك العديد من الأكشاك
ـ 04 منازل تمتهن الصباغة ، والعديد من المتاجر الصغيرة ،
ـ كل عائلة تصنع ملابسها و أواني الفخار بنفسها .
اليهود الذين سكنوا المدينة ، لهم حي منفصل ، ولهم كنيستهم ومدارسهم ومقابرهم
المنديل الأسود الملتف حول رؤوسهم هو ما يميزهم عن المسلمين الذين لا يختلفون عنهم في بقية اللباس
غير أن اليهود لا يركبون الخيل ، فذلك امتياز وشرف خاص بالمسلمين فقط
غير أنهم يعاملون من المسلمين بكثير من التسامح ، امنين بينهم، يمارسون حرفا متنوعة مثل الخياطة، الصوف، الحلي الذهبية ..الخ
وكما في كل مكان، فقد أصبحوا الوسطاء الأساسيين في مختلف المعاملات التجارية.
.
الاستنتاج :
لهذه الأسباب تم التركيز على مدينة بوسعادة، وبدلا من تحويلها إلى قطب صناعي ، حولها الاحتلال الى فضاء تجاري …و سياحي . وقضى على كل اشكال الصناعة والاقتصاد الذاتي فيها .
بوسعادة مدينة مشكلة من حولي 600 مسكن ( المسيلة آنذاك 300 مسكن)
بسبب موقعها بين مدينتي بسكرة والأغواط، أصبحت تشكل مركزا تجاريا مهما، القبائل الصحراوية تأتي إلى المدينة، ومنها تنقل سلعها إلى الجزائر و قسنطينة لبيعها . ويُودِعون في مستودعات المدينة بعض سلعهم لتسويقها وقت الحاجة ، في الوقت نفسه يحصلون على ما يحتاجونه من سلع لتسويقه في مدنهم الصحراوية .
يقام السوق في وسط مدينة بوسعادة، ويسمى موقعه (رحبة النادر) ، وهو مفتوح للجميع ، ويحصي يوميا دخول ما يقارب 600 بعير ( وسيلة نقل السلع آنذاك ).
القبائل التي ترتاد السوق يوميا هي :
– أولاد ماضي
– أولاد عامر
– أولاد سيدي حملة
– الحوامد
– أولاد سيدي براهيم
– أولاد نائل
– المويعدات
– أولاد سيدي عيسى
– المطارفة
– السوامع
– ونوغة
– قبائل بني عباس
– الزواوة
– أهل زمورة
– بني مزاب
– الحرازلية
– أهل بسكرة ، مسيلة و تقرت .
( التقسيم ورد هكذا في التقرير).
القبائل المجاورة لبوسعادة تجلب معها :
القمح ، الشعير، الزيت، البرانيس، خراطيش البنادق ، كما يجلبون الكثير من الجمال، الخيول ، الثيران ، الحمير ..الخ .
أما الذين يأتون من الصحراء ، فيجلبون معهم :
الكثير من الصوف، الخرفان، ريش النعام، الحايك، التمور، زبدة الغنم، الجبن، الحناء، التيليس، الخيم، الكثير من الملح يجلبونه من عين الملح ومن جبل زاغز.
كما يحضرون معهم العبيد من تقرت ومن سوف، هؤلاء العبيد المستقدمين من غدامس . أما الحرازلية و بني مزاب فيتاجرون أساسا في ريش النعام.
كل هذه المنتجات التي يجلبونها ، يبيعونها أو يبادلونها مقابل :
القبعات(الشاشية)، مناديل هندية، الحرير، مواد غذائية وتوابل مختلفة، الأصباغ، الأحذية. الإبر، الدبابيس، أحزمة للرجال والنساء، أدوات حديجية وفولاذية، أواني النحاس للمطبخ، فؤوس ومعاول، محاريث، أقفال، حلي متنوعة من الزجاج لقلائد النساء، الأواني الزجاجية التي تصنع منها القلائد النسائية.
المرجان، أساور ومجوهرات من الذهب والفضة، السكر والقهوة و الشموع، الشب والذي يستخدم على نطاق واسع في الطب العربي
أهل بوسعادة يجلبون سلعهم من الجزائر ومن قسنطينة، و ينقلون إليهما ما يتوفر في الصحراء، مما يشكل تبادلا تجاريا مهما ومفيدا لكل الأطراف .
.( ما أقدمه هو بعض تاريخ مدينتي للفائدة العامة، فاحتفظ بأي تأويل شخصي لنفسك، أو اكتبه على صفحتك ) .
ـ حسب ما أورده المترجم الرئيسي في الجيش الفرنسي (فيرو) ، فإن تواجد اليهود بمدينتي بوسعادة و المسيلة يعود الى الفترة التركية وبعد سقوط الأندلس.
فقد جاؤوا برفقة وفي حماية رجل جاء من فاس بالمغرب يدعى يعقوب.
أقاموا أول الامر بمنطقة المسيلة ، ثم تفرقوا بين مدينتي المسيلة و بوسعادة .
حينما دخل الفرنسيون مدينة بوسعادة في 1843م ، كان عدد اليهود بها حوالي 300 فرد، أي بنسبة حوالي 06 في المائة من مجموع سكان المدينة .
حتى ذلك التاريخ، كانوا يعيشون حياة بسيطة جدا، معظمهم فقراء ويكدّون خلف لقمة العيش .
يلبسون اللباس العربي، ولا يفرق بينهم وبين المسلمين الا بالمنديل الأسود الملتف حول الرأس، وبساطة الملابس والاستغناء عن الحلي ، وعدم ركوبهم للأحصنة الذي كان في ذلك الوقت امتيازا للعرب المسلمين.
لكنهم (حسب الأستاذ الباحث بلقاسم براهيمي) تغير حالهم بعد أن قدم إليهم العديد من اليهود من مرسيليا الفرنسية ، فقد تحالفوا مع بعضهم لتحسين وضعيتهم، خاصة بعد صدور قانون كريميو في مطلع سبعينات القرن التاسع عشر، الذي اعتبرهم مواطنين فرنسيين.
ومن مظاهر تحالفهم انتشار العائلات الكبرى منهم (بنفس اللقب) عبر عدة مدن كبوسعادة ، المسيلة ، البرج و غيرها ، وأصبحت لهم إلى جانب المعمرين سيطرة واضحة على التجارة و الاقتصاد ..
وقد تزامن ذلك مع مخطط رهيب لتفقير سكان المنطقة ( المقاومين) بعد مقاومة المقراني (1871م) ، بمصادرة أراضيهم و املاكهم، وإذلالهم و طعنهم في كرامتهم .
وبدلا من أن تصبح مدينة بوسعادة ( مما وجدها الفرنسيون) قطبا تجاريا و صناعيا، أدت سياسة التفقير و التجويع الى اندثار كل الحرف والمهن و المشاريع الاقتصادية الذاتية (انظر الحلقات السابقة)، وتحولت المدينة الى واجهة سياحية استفاد منها فقط الفرنسيون و حلفاؤهم الذين قصدوها للسياحة او لتصوير بعض الأفلام .
ومنذ ذلك الوقت (أي صدور قانون كريميو) أصبح انتماء أغلب اليهود إلى المحتل أكثر منه انتماؤهم للأرض التي آوتهم و المجتمع الذي عاملهم بتسامح .
مع وجود نسبة قليلة منهم بقيت على الحياد، ونسبة أخرى تعاطفت فيما بعد مع الثورة التحريرية .
استطاعت فرنسا بعد أكثر من شهر ونصف أن تخمد مقاومة سكان بوسعادة الكبرى بقيادة محمد بن علي بن شبيرة، ومشاركة معظم أعراش المنطقة، ويمكن للمهتمين مطالعة التفاصيل في المصادر الفرنسية .
بعد إخماد المقاومة ، تعرض المشاركون في الثورة إلى عقاب جماعي وفردي، فبعضهم صودرت أراضيه ، وبعضهم دفع غرامات مضاعفة ، وبعضهم نقلوا إلى السجون للمحاكمة، وسنعرض لذلك في موضوع مستقل .
أما الشيخ محمد بن علي بن شبيرة، فقد نفي إلى تونس، حيث توفي هناك سنة 1851م .
قامت فرنسا بهدم زاوية عين النخلة السنوسية التي كان الشيخ احمد أخ الشيخ محمد بن شبيرة مقدما فيها .
بقي الشيخ احمد في بوسعادة ، واستطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام، ويلتقي هناك بشيخه ومعلمه الإمام محمد علي السنوسي ، مؤسس زاوية عين النخلة بالعليق، والشخصية المؤثرة جدا في كل من الشيخ محمد واحمد بن شبيرة .
وبعد اندلاع مقاومة الشريف محمد بن عبد الله ، انظم الشيخ احمد إليها ، وأصبح نائبا للشريف محمد بن عبد الله ، وقام بدور كبير جدا في إقناع القبائل و الثوار بالانضمام إلى الشريف محمد بن عبد الله و توحيد الصفوف، كما أصبح المبعوث الخاص المفاوض للزعماء من طرف الشريف محمد بن عبد الله . .
حسب المصادر الفرنسية فان الشيخ احمد بن شبيرة قد أطلق شائعة قرب عودة الشيخ محمد علي بن السنوسي، رغم علمه باستقراره بمكة المكرمة منذ ثلاثين عاما ، وهو الذي ترك في البلد سمعة كبيرة تتبعها هالة من التقدير والقداسة، مما ساهم في تزايد عدد الثوار والتحاقهم بالانتفاضة.
ومن بين من انظموا لهذه الانتفاضة العديد من أبناء بوسعادة، على رأسهم الشيخ عمار بن عْزيز، شقيق احمد بن عزيز شيخ فرقة اولاد عتيق، والذي أحزن خبر استشهاده سكان المدينة ودفع بعضهم للالتحاق بركب المنتفضين.
وللحيلولة دون انتشار هذه الانتفاضة في ربوع اولاد نايل ، تمركز السعيد بن داود بأمر من النقيب بان في عين الملح، للحيلولة دون التحاق المقاتلين بالشريف محمد بن عبد الله .ولاجبارهم على دفع الضريبة، بعد ان امتنعت بعض الاعراش عن ذلك، ومنهم عرش اولاد ام الاخوة .
يذكر أن إحدى فرق اولاد اعمارة، قاموا بقتل شيخهم المعين من طرف الاحتلال ، بعد أن حاول منعهم من الالتحاق بانتفاضة الشريف محمد بن عبد الله .
تواصلت الانتفاضة ، وقد قدر عدد المتضامنين والمتعاونين معها من سكان منطقة بوسعادة الكبرى باكثر من الثلث، وقد أوجعت هذه الانتفاضة فرنسا في الكثير من المحطات، لكنها وأمام عدم تكافؤ القوى ، أخمدت في النهاية. .
الشيخ أحمد نفي أو هرب إلى تونس، وهناك في تونس التقى الشيخ محمد الصادق المكاوي، الذي أوكل إليه سنة 1857م مهمة تسيير الزاوية السنوسية في دقاش بتونس(ولاية توزر) كمقدم لها .
بعد وفاة الشيخ أحمد بن شبيرة سنة 1865م ، تولى ابنه عمار تسيير هذه الزاوية .
يذكر المصدر الفرنسي أن بعض الزوايا كانت تظهر أنها درقاوية الطريقة، بينما هي في الأصل سنوسية ، مما يعطينا فكرة عن التقارب الكبير بين الطريقتين، و يفسر لنا تردد الثائر الشيخ موسى الدرقاوي على منطقة بوسعادة منذ 1835م والى حين استشهاده سنة 1849م
بعد مقاومات 1849 و1864 و1871م ، عمد الاحتلال الفرنسي إلى العقاب الجماعي والفردي لكل من تسول نفسه التمرد على سلطة الأمر الواقع .
واستهدف هذا العقاب بالدرجة الأولى قبائل اولاد نايل المتمردة، والتي رفضت الهيمنة الفرنسية و سلطة الامر الواقع .
تمثلت أشكال هذا العقاب في :
-
النفي و التغريب خارج الوطن و داخله
-
مصادرة الأملاك والأراضي الفلاحية ، الخصبة خاصة منها .
-
نهب المواشي و الممتلكات الخاصة
-
العمل على تغيير ديمغرافية العشائر والقبائل و المدن